تأملات كيميائية 4
ليست الكيمياء هي العلم الجامد المعقد الجدي المليء بالأشياء البائسة، كما يحلو للبعض أن يراها. فهي في كثير من الوجوه مليئة بالمعلومات المدهشة الجذابة والمفيدة. وهي في كثير من حالاتها من العلوم البسيطة المسلية السحرية، والتي تفسر لنا كثيراً من الأمور الغامضة أو غير الغامضة التي نراها في حياتنا.
سأذكر هنا بعض ما يشدني إلى الكيمياء ويشعرني بالسعادة أنني كيميائي:
- أن الكيمياء علم حي لا يتوقف عن التقدم والتطور بعد أن اتضحت أسسه ومعالمه وآفاقه. ويسعدني أني أحاول دائماً تتبع ما أهتم به من الجديد فيه، وهو كثير.
- أن الكيمياء علم عملي يعمل على تحسين حياتنا. والمنتجات الكيميائية الجديدة التي دخلت كل مجالات الحياة لا تتوقف عن الازدياد. ويسعدني أنني أستطيع مجاراة الكثير من العناصر المفيدة الجديدة في حياتنا.
- أن الكيمياء رغم الإيحاءات الكثيرة بغير ذلك، هي أبسط من علوم عديدة أخرى مثل علوم الحياة والفيزياء والفلك. وكثيراً ما تشعر مع الكيمياء أنك في لعبة أرقام أو حروف أو صور، وأنك في التجارب الكيميائية لن تجد صعوبة في تشخيص ما يحصل فيها أو معرفة نتائجها أو وضع جداول تملأها بنتائج عمليات خططت لها.
- أن الكيمياء هي أساس لحل عدد من المشاكل الكبرى التي ما تزال عالقة في حياتنا. فالتعرف على التطور التاريخي للحياة منذ القدم لم يكن إلا مشكلة كيميائية وهو فيما تبقى منه مشكلة كيميائية أيضاً. ومشكلتنا الكبرى الحالية في إيجاد مصادر من الطاقة صديقة للبيئة هي في أساسها مشكلة كيميائية. وأمثال ذلك كثير، فلا تدع أحداً يخبرك أن الكيمياء المفيدة قد انتهت.
- هناك شيء غريب في الكيمياء، هي أنك تجد أن أغلب الكيميائيين يتصرفون بشكل أخلاقي Ethical. وأن نسبة الغش والفساد محدودة فيهم. انظر للتأكد من ذلك إلى الصفحات الكيميائية والتعليقات فيها.
- قد يسوءك أن تجد هنا أو هناك مدرس كيميائي فاشل أو سيء أو نصف جاهل. ولكنك ستجد على الجانب الآخر أناساً امتهنوا تعليم الكيمياء بصورة مشرفة براقة، وأنه نشأ على أيديهم الكثيرون ممن يحبون الكيمياء كعلم نافع. والكثير منهم يجمع النواحي النظرية بالعملية ويحاول تكوين باحثين Researchers حوله لا مجرد قراء أو حفظة للمعلومات.
- المعلومة الكيميائية القديمة أو التي تنشر حديثاً تتصف إلى حد كبير بـ “الجدارة Meritocracy” و “الثقة”. صحيح أنك تجد هنا أو هناك من يزيف نتائج أو معلومات لينشرها في مجلات علمية محترمة، لكنها سرعان ما تنكشف بسبب طبيعة العمل الكيميائي البحثي الذي يكرر كثيراً من الأحيان تجارب الآخرين قبل الاستفادة منها في عمل جديد. وتكرار أي عمل جديد سيكشف صحته أو جدارته.
- الكيميائي يرى في نفسه كيمياء متحركة بكل معنى الكلمة. فكل شيء فينا أو حولنا مواد وتفاعلات كيميائية لولاها ما استطعنا الحياة. أليس في هذا ما يشعر الكيميائي بالفخر والسعادة؟
- هناك بعض الأحداث في الكيمياء أو التي تشكل الكيمياء عنصراً هاماً منها تثير الأسى أو الانزعاج ولا شك. ولكن الكيمياء المفيدة دائماً تعوض ذلك بما هو أفضل. فاستخدام الكيماويات في القتل والتدمير مثلاً هو أساساً تصرف لا أخلاقي ممن يستخدمها. ولو أراد لوجد بدلاً من ذلك آلاف الكيماويات المفيدة ليستعملها كما يفعل الطيبون من البشر.
- لكل الأسباب السابقة سأحتفظ بنسخة من هذا المنشور على سطح المكتب في كمبيوتري، لأرجع له كلما ضايقني حدث له علاقة بالكيمياء، ليعيد لي ثقتي بالكيمياء الجميلة التي أحبها. وطبعاً يمكنكم أن تفعلوا مثلي مجاناً مع تمنياتي لكم بالطمأنينة والسعادة في الدارين.
د. ممدوح النيربيه