قراءات وعبر من الصناعة الهندية 3
الصناعة الدوائية الهندية: نقاط القوة والضعف
لمعرفة إمكانية تحقيق الهند لأهدافها في بناء صناعة دوائية عالمية رائدة، يجب التعرف على نقاط القوة والضعف في الصناعة الدوائية الهندية والبيئة التي تتطور فيها، وما تفتحه نقاط القوة من فرص بحث وتطوير ونمو كماً ونوعاً، وما تولده نقاط الضعف من عقبات وحواجز أمام استمرارها في التقدم والتطور .
نقاط القوة في الصناعة الدوائية الهندية:
تتلخص نقاط القوة في الصناعة الدوائية الهندية بالنقاط الرئيسة التالية :
- البنية التحتية: يتوفر لدى الهند بنية تحتية صحية يقل مثيلها في العالم تتألف من :
- أكثر من نصف مليون طبيب .
- حوالي ثلاثة أرباع المليون من الممرضات .
- أكثر من نصف مليون كيميائي .
- أكثر من 15000 مستشفى .
- حوالي 0.9 مليون سرير .
- أكثر من 160 ألف مركز صحي .
- أكثر من 170 كلية طبية .
- القاعدة الصناعية: تملك الهند صناعة متطورة ذات قاعدة تصنيعية قوية مبنية على معرفة كيميائية وطرق عمل صلبة البنيان . ويؤهلها ذلك للانطلاق في طريق التطور والنمو بصورة متسارعة وتحقيق أهدافها الطموحة .
- اليد العاملة: تتميز الهند بوفرة اليد العاملة الماهرة ومنخفضة الأجر قياساً للأجور في الدول المتقدمة . ويسمح لها ذلك بتصدير موادها ومنتجاتها الدوائية بأسعار منافسة .
- التسويق: تملك الشركات الدوائية الهندية شبكات تسويق وتوزيع قوية عبر العالم .
- تكاليف البحث والتطوير: تكاليف البحث والتطوير في الهند هي أقل بكثير منها في الدول المتقدمة ، وهذا ما يسمح بإجراء البحوث والتطوير في مجال الأدوية الجديدة وأنظمة إيصال الدواء الجديدة بشكل منافس جداً . يمكن أن تكلف مرحلة التحقق أو الاستقصاء لدواء جديد في الدول المتقدمة بين 100 و150 مليون دولار أمريكي ، في حين أن تكلفة ذلك في الهند تبلغ 400 – 600 مليون روبية هندية فقط وفقاً لتقرير لجنة ماشلكار Mashelkar Committeeالتي تشكلت لدراسة متطلبات تطوير الصناعة الدوائية في الهند . ويضيف التقرير أنه في حين أن كلفة التجارب السريرية على الدواء تقارب 300 – 350 مليون دولار في الخارج تقارب هذه الكلفة في الهند حوالي مليار روبية هندية فقط . ويصل المبلغ المخصص حالياً للبحث والتطوير الدوائي في الهند ما يزيد على 10 مليارات روبية هندية سنوياً ، يتوقع أن يزيد عائد تصديرها عن 2 مليار روبية هندية . ويبلغ عدد براءات الاختراع التي تسجل سنوياً في الوقت الحاضر حوالي 500 براءة اختراع .
- مخابر الأبحاث: تملك الهند شبكة واسعة ومتمكنة من مخابر الأبحاث ، يتوفر فيها مجموعات وافرة من الباحثين العلميين المتخصصين الأكفاء والمهرة . وهذا يتيح إجراء الأبحاث المطلوبة في أي مجال أو اتجاه تفرضه الضرورة .
- تسهيلات التكنولوجيا الحيوية: لدى شركات الأدوية والحكومات المحلية الهندية إرادة صلبة في دخول عالم التكنولوجيا الحيوية من أوسع أبوابها ، مستفيدة من تنوعها الحيوي الغني ، وتنوع الأصول الوراثية للسكان ، والتسهيلات الكبيرة من الحكومات المحلية في أغلب الولايات الهندية للشركات الدوائية حتى تستثمر بقوة في مجال التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية الحيوية .
وقد برهنت شركات دوائية هندية عديدة في السنوات الأخيرة على قدرتها على الانخراط في نشاطات بحث وتطوير ذات مردود تجاري مثل تلك التي تتعلق باكتشاف الأدوية ، أو تمويل نشاطات من هذا النوع ، مما جعل من هذه الشركات لاعبين مشهودين على الساحة الدولية في هذا المجال . كما حصل معهدان هنديان هما معهد العلوم المرتبطة بالحياة Reliance Life Sciencesومعهد علم الحياة الجزيئية Institute of Molecular Biologyعلى منح من الحكومة الأمريكية للقيام بأبحاث في مجال التكنولوجيا الحيوية .
نقاط ضعف الصناعة الدوائية الهندية:
يمكن إجمال نقاط ضعف الصناعة الدوائية الهندية فيما يلي :
- انخفاض الاستثمارات في مشاريع البحث والتطوير الإبداعي .
- نقص المصادر والإمكانات التي تسمح بمنافسة الشركات متعددة الجنسيات في الكشف عن أدوية جديدة وإجراء البحوث حولها وتسويقها على نطاق عالمي .
- الافتقار إلى روابط قوية بين الصناعة والأكاديميات العلمية .
- ضعف الإنفاق على الطب والصحة العامة من قبل أغلبية الشعب محدودة الدخل .
- الاعتماد على معايير تنظيمية وإدارية من قبل الجهات المسؤولة غير ملائمة لعملية التطوير المطلوبة .
- صعوبة التصدير إلى الدول التي تمارس سياسة حماية لمنتجاتها بفرض حواجز سعرية أمام المنتجات المستوردة ، مما يستدعي تخفيض رسوم تصدير المنتجات الهندية من قبل الحكومة .
- اعتماد الصناعة الدوائية الهندية على ” نسخ ” المواد والمنتجات الدوائية العالمية وإنتاج منتجات دوائية غير شرعية أو منخفضة الجودة ، بدلاً من الاعتماد على أبحاثها وأدويتها الخاصة .
- تحتل مجموعة من الفروع الهندية للشركات الدوائية الأمريكية أو متعددة الجنسيات العملاقة عدداً من المراكز الأولى في صدارة الشركات الأكثر استفادة من السوق الهندية. بل أن شركة غلاكسوسميث كلاين GlaxoSmithKline– فرع الهند لها أكبر حصة في السوق الهندية وبمبيعات مفرق تتجاوز 10 مليارات روبية هندية .
يضاف إلى ما سبق عوامل ضعف تصنف كأخطار حقيقية على الصناعة الهندية إن لم يتوفر علاج لها في المستقبل القريب ، ومنها :
- نظام براءات الاختراع العالمي للمنتجات الدوائية الذي يفرض تحديات جدية على الصناعة المحلية للاستثمار في البحث والتطوير من أجل البقاء . يعتبر عدم كفاية النظام الهندي لبراءات الاختراع بالمقابل عائقاً أمام الشركات متعددة الجنسيات العملاقة في الاستثمار المفتوح في البحث والتطوير الدوائي في الهند كونه لا يوفر الحماية الكافية لاكتشافاتها . ولهذا السبب بالذات تفضل بعض الشركات الاتجاه إلى الاستثمار في الصين بدلاً من الهند ، أو على الأقل التركيز على الاستثمار في الصين . ومن الشركات التي عبرت بصراحة عن أسباب اتجاهها إلى الاستثمار في الصين شركة نوفارتيس Novartisالسويسرية العملاقة . لذلك يعتبر وجود مكتب براءات اختراع مؤهل ويعمل وفق أحدث الأنظمة العالمية ضرورياً لإزالة العوائق أمام الاستثمار العالمي في الهند ، وللسماح للشركات الهندية بالاستفادة من اكتشافاتها وأبحاثها الدوائية بأفضل شكل ممكن.
- يضع نظام رقابة أسعار الأدوية في الهند ، الهادف إلى تأمين الدواء الجيد للسكان بتكاليف مقبولة ، أسقفاً غير واقعية على أسعار المنتجات الدوائية تحدد بشكل خطير مردودها أو الفائدة من إنتاجها بصورة عامة ، وإمكانية توفير فائض للأبحاث والتطوير بصورة خاصة . لنلاحظ أن تطبيق نظام التجارة الذي تقوده منظمة التجارة العالمية سيقود إلى انخفاض تكاليف الدواء المستورد ومنافسة الأدوية المحلية ، وهذا يفرض على الشركات الهندية الاستثمار للحصول على تكنولوجيا وعمليات إنتاج أكثر كفاءة وذات مردود أو كلفة حقيقية مناسبة تمكنها من منافسة الأدوية المستوردة من جهة والتصدير من جهة ثانية . وهذا الأمر غير ممكن من دون تحرير الأسعار لإتاحة الفرصة لتوفير المال اللازم للاستثمار .
- تؤدي عقبات إجرائية إدارية في الهند وعدم وجود إطار تنظيمي مناسب لصعوبة علاج قضايا مهمة ذات صلة بالأبحاث والتطوير مثل قضايا اختبارات التجارب على الحيوان ، وطول الزمن اللازم للحصول على الموافقات الخاصة بإجراء التجارب على الأدوية . ويكبح ذلك أعمال البحث والتطوير من جهة وجهود التصدير من جهة أخرى .
د. ممدوح النيربيه
تاريخ النشر الأصلي: 24-06-2016
إعادة النشر: 28-12-2016