المستشفيات الإسلامية 2
كيف بدأ الطب الإسلامي:
بعد الفتوحات الإسلامية الأولى، وجد الفاتحون العرب أنفسهم يحكمون أراض واسعة بدون أغلبية من المسلمين. كما وجدوا أنفسهم يواجهون ثقافات أكثر تطوراً بكثير من ثقافتهم، وخصوصاً في المدن الكبرى للإمبراطورية البيزنطية وبلاد فارس.
فكان الأطباء الأوائل تحت الحكم الإسلامي بأغلبيتهم من اليهود والمسيحيين والزرادشتيين. ومع الوقت بدأ المسلمون يقدمون أطباءهم وممارسيهم الطبيين، الذين عملوا معهم وتعلموا من أقرانهم من الثقافات الأخرى.
تطور المستشفيات الإسلامية:
عندما بدأت المستشفيات الإسلامية بالتطور، أخذت عدداً من السمات النوعية الخاصة بها. فقد أخذت السمة العلمانية، بحيث كانت البيمارستانات تخدم جميع الناس بغض النظر عن العرق Race، والدين Relegion، والموطن Citizenship والجنس Gender. وكانت وثائق الوقف المخصصة لها تبين أن لا وجود لأحد يرثها.
وكان الهدف النهائي لجميع الأطباء والعاملين في البيمارستان هو أن يعملوا معاً لمساعدة المرضى على الشفاء. ولم يكن هناك زمن محدد للمريض للبقاء، بحيث كان للمريض أن يبقى في المستشفى طالما أحس بضرورة ذلك. وتنص وثائق الوقف على أن المريض يجب أن يبقى في المستشفى حتى يشفى نهائياً.
وكان هناك فصل بين الرجال والنساء، ولكن في أجنحة مجهزة بشكل متمائل. وكانت الأجنحة المنفصلة مقسمة إلى أقسام تشمل الأمراض العقلية Mental Disease، والأمراض المعدية Contagious Disease، والأمراض غير المعدية Non-Contagious Disease، والجراحة Surgery، والطب Medicine، وأمراض العيون Eye Disease.
وكان المرضى يشرف عليهم ويعالجهم ممرضات وموظفون من نفس الجنس. وكان كل بيمارستان يحتوي قاعة للمطالعة، ومطبخ، وصيدلية، ومكتبة، ومسجد، وفي بعض الأحيان كنيسة صغيرة للمرضى المسيحيين. وكان هناك وسائل ترفيهية وموسيقيين لإراحة المرضى وتحسين حالتهم.
لم يكن المستشفى مكاناً لمعالجة المرضى فقط: فهو يستعمل كمدرسة طبية Medical School لتعليم وتمرين الطلاب. وكان الطلاب يخضعون لتعليم أساسي، من خلال معلمين خاصين، وكذلك لدراسة ذاتية ومحاضرات. وكانت المستشفيات الإسلامية هي الأولى في حفظ سجلات مكتوبة للمرضى وعلاجهم الطبي. وكان الطلاب مسؤولين عن حفظ هذه السجلات، التي يكتبها الأطباء ويكتبون فيها العلاجات المستقبلية.
وفي خلال هذا العصر، أصبح الترخيص للأطباء Physician Licensure لمزاولة المهنة إلزامياًفي عهد الخلافة العباسية. وفي عام 1931م، علم الخليفة المقتدر بموت واحد من الرعية نتيجة لخطأ من أحد الأطباء. فأمر مباشرة المحتسب سنان بن ثابت بفحص ومنع الأطباء من ممارسة المهنة إلا بعد أن ينجحوا في امتحان لهم. ومنذ ذلك الوقت، أصبح امتحان الترخيص مطلوباً، وأصبح يسمح للأطباء المؤهلين فقط بممارسة مهنة الطب.
لقد كان للبيمارستان نتيجة هامة في التعامل مع الطاقة Energy والفكر Thought أثناء الحضارات الإسلامية للعصور الوسطى، لتطوير الفنون الطبية Medical Arts، من مدارس ومكتبات لتعليم الطلاب من قبل الأساتذة الأطباء، وتوسيع مداركهم، ليطبقوا ذلك مباشرة على المرضى، وكذلك تجهيز امتحانات للطلاب وإصدار دبلومات. فكانت البيمارستانات مكرسة لتحسين الصحة وعلاج الأمراض وتوسيع ونشر المعرفة الطبية.
مستشفى للمساجين:
كتب الوزير علي بن عيسى بن الجراح بن ثابتفي أوال القرن العاشر إلى رئيس الهيئة الطبية في بغداد ما يلي:
“أنا قلق كثيراً بشأن السجناء. إن أعدادهم الكبيرة وظروف السجناء يجعل من المؤكد وجود عدد كبير من الأشخاص المتألمين بينهم. ولذلك، أنا من الرأي القائل أنهم يجب أن يكون لهم أطباؤهم الخاصين، الذين يفحصونهم كل يوم ويعطونهم عند اللزوم الأدوية والمستخلصات بالغلي. وينبغي أن يزور هؤلاء الأطباء كل السجون ويعالجوا السجناء المرضى فيها”.
وبعد وقت قصير أنشئ مستشفى منفصل للمحكومين، وجهز بشكل كامل بالمعدات والأطباء والممرضين.
تنظيم المستشفيات الاسلامية:
بطريقة ما تزال معترفاً بها حتى اليوم، كان المستشفى الإسلامي النموذجي مقسماً إلى أقسام، مثل قسم الأمراض الجهازية Systemic Diseases، قسم الجراحة Surgery، وقسم أمراض العيون Ophthalmology، وقسم تقويم العظام Orthopedics، وقسم الأمراض العقلية Mental Diseases.
كان قسم الأمراض الجهازية مكافئاً تقريباً لقسم الطب الباطني Internal Medicine في عصرنا الحاضر، وكان مقسماً عادة إلى فروع أكثر تعالج أنواع الحمى Fever والاضطرابات الهضمية Digestive Troubles والأخماج (الإنتانات) Infections وغيرها. وكانت المستشفيات الأكبر تحوي أقساماً أكثر وتخصصات متنوعة. وكان على كل قسم طبيب مسؤول Officer in Charge يرأس القسم ويشرف على عمل الاختصاصيين.
وكان في المستشفى مفتش صحي Sanitary Inspector مسؤول عن تأمين النظافة Cleanliness والممارسات الصحية Hygienic practices. وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك محاسبون Accountants وكار إداري لضمان عمل المستشفى، من الناحية المالية وغيرها حسب معايير خاصة. وكان هناك مشرف يدعى ساور مسؤول عن المراقية والإدارة في كل المستشفى.
كيف تمول المستشفيات:
يعمل الأطباء ساعات محددة، يتابعون فيها رؤية المرضى القادمين إلى أقسامهم. وكل مستشفى له كادره الخاص من الصيدلانيين والممرضين (والصيدلانيات والممرضات). ويثبت القانون رواتب الكوادر الطبية. وهي سخية بقدر كاف لتجذب المتفوقين للعمل.
يأتي تمويل المستشفيات الإسلامية من مؤسسات الوقف التي توهب للمستشفى. فأغنياء الرجال والحكام أو الحكومة يقدمون للمبنى من أجل بقائه أو للبيمارستان الجديد كهبات. ويحصل من دخل هذه الهبات وخاصة الهبات الحكومية على ما يلزم لبناء البيمارستان أو لصيانته. تتوزع مداخيل الوقف من أي خليط من أملاك الحوانيت، والمطاحن، ومراكز الإيواء، وحتى قرى بكاملها وهبت كوقف للبيمارستان.
وقد تكون الهبات أحياناً كافية لإعطاء المرضى مبلغاً صغيراً قبل الخروج من المستشفى. وتكون خدمات المستشفى للمرضى مجانية، مع أن بعض أطباء منفردين يطلبون أحياناً أجوراً لهم.
العناية بالمرضى:
كانت البيمارستانات مفتوحة للجميع خلال 24 ساعة في اليوم. وبعض البيمارستانات تعتني بالرجال فقط، بينما بعضها الآخر يعالج النساء فقط من قبل كادر نسائي فقط. ولكن هناك بيمارستانات تعتني بكل من الرجال والنساء، ولكن في أجنحة منفصلة تحتوي كل منها معداتها وكادرها المنفصل. وهناك عيادات خارجية يفحص فيها الأطباء المرضى الأقل خطورة، ويعطونهم أدوية ليتعالجوا في بيتهم.
وكانت تؤخذ إجراءات خاصة للوقاية من الأخماج (الإنتانات). وكان غير المرضى يلبسون ثياب مستشفى من وحدة التزويد المركزية، بينما تحفظ ألبستهم في مخزن المستشفى. وعندما يؤخذ المرضى إلى أجنحة المستشفى، يجدون أسرة ومرتبات مجهزة بلوازمها. بينما غرف المستشفى وأجنحتها هي أنيقة ومرتبة، يتوفر فيها الماء وضوء الشمس.
وكان مفتشون يقومون بتقييم نظافة الغرف والمستشفى يومياً. ولم يكن من غير المعتاد أن يقوم الحكام المحليين بزيارات شخصية للتأكد من أن المرضى يحصلون على أحسن عناية.
يبدأ علاج المرضى بعد أن يفحصهم الأطباء لدى وصولهم للمستشفى. وكان يعطون طعاماً معيناً يتناسب مع حالتهم ومرضهم. وكان الطعام المقدم لهم من نوعية عالية، وتتضمن الدواجن والبقر والغنم، مع فواكه وخضار طازجة.
كان المقياس الأساسي للشفاء هو أن يكون المريض قادراً على هضم كمية من الخبز العادي الذي يتناوله الأشخاص الأصحاء مع لحم مشوي لطير كامل مرة واحدة. فإذا استطاع هضم هذا الطعام اعتبر قد تم شفاؤه، وسمح له بالمغادرة. أما الأشخاص الذين شفوا من المرض لكنهم ما يزالون ضعاف الجسم، فإنهم يحولون إلى جناح النقاهة، حتى يصبحون بقوة كافية للمغادرة. وبالنسبة للمرضى المحتاجين فإنهم يعطون ملابس جديدة، مع مبلغ صغير لمساعدتهم في إعادة ترتيب حياتهم.
ولعل أهم صفة حول علاج المرضى، أنه كان ينظر إليها كواجب ديني.
بوابة المعرفة