بق الفراش مصاص الدماء يغزو العالم من جديد
يحذر خبراء البيئة أن العالم بصدد تطور وباء جديد قد يجعل أياً منا غير قادر على النوم، عندما نطفئ الأنوار ونستلقي في الفراش بعد يوم مجهد.
وكانت كثير من أنحاء العالم قد بدأت تنسى أو نست عضات بق الفراش Bed Bug (Climex lectularrius)، هذه الحشرات الليلية الشغوفة بالدم الحار من فصيلة البقيات Cimicidae، التي تعيش خاصة في الفراش أو المخدة أو القسم الخشبي الأمامي من السرير، ومن هنا أتى اسمها. لكن الظواهر والإحصائيات تدل أن بق الفراش يستعيد منذ بضع سنوات مجده السابق بما يبدو وباءً عالمياً جديداً. فقد دلت إحصائيات حديثة في ألف من مراكز مكافحة الحشرات تتوزع في جميع أنحاء العالم، قامت بها جامعة كنتاكي University of Kentucky ورابطة مكافحة الحشرات الوطنية National Pest Management Association (NPMA) الأمريكية وأعلنت عنها أواخر شهر تموز/ يوليو 2010، أن 95 % من المراكز الأمريكية رأت أن هناك جائحة غزو لبق الفراش قد حصلت خلال العام الماضي، مقابل 25 % فقط من المراكز عام 2000، وأننا على أبواب غزو جديد لهذه الحشرات في جميع أنحاء العالم.
تقول ميسي هنريكسين نائبة رئيس الـ NPMA للشؤون العامة أن هذه الحشرات لا تفرق بين طقس أو بيئة وأخرى، ولا بين غني وفقير، وأن الوعي الاجتماعي والتربية والانتباه لها هي عوامل رئيسة في كشف وجودها والوقاية من انتشارها. وتضيف هنريكسين أن الإحصائيات الواردة من أنحاء العالم توحي بأن المشكلة لا تخص الولايات المتحدة وحدها بل هي وباء عالمي. وتقول الدراسة أن هذه الحشرة المحبة للتنقل وتغيير مكان إقامتها وتستطيع الاختباء في أي شق أو مخبأ تغزو البيوت والشقق والفنادق والمحلات والمكاتب وأماكن العبادة والسكن المدرسي والجامعي وروضات الأطفال والمستشفيات والمستوصفات ووسائل النقل ودور السينما والمسارح ومنشآت تنظيف الملابس والأماكن الأخرى التي يعيش فيها الناس ويتجمعون. وبما الحشرة من النوع الانتهازي فإنها يمكن أن تترك عادتها لتناول الغذاء ليلاً وتهاجم الإنسان نهاراً في المناطق التي تغزوها بكثرة أو لا ينام فيها الإنسان ليلاً.
تقول دراسة أخرى لمدرسة لندن للعناية الصحية والطب المداري London School of Hygiene and Tropical Medicine أجريت عام 2009 أن عدد الشكاوى من عض بق الفراش في العاصمة لندن قد تزايد بنسبة 28.5 % سنوياً بين عامي 2000 و 2006، وأنه لا يوجد ما يدل على قرب انتهاء المشكلة مع ازدياد هذه النسبة مؤخراً. وقد اضطرت بعض الفنادق لاستخدام كلب شامّ مدرب على تقصي وجود حشرات بق الفراش وتحديد مكانها بسرعة لإتاحة الفرصة للتخلص منها. وتستطيع كلاب من هذا النوع أن تفحص 200 غرفة في اليوم، وتقف واضعة أرجلها الأمامية على مكان وجودها.
وكانت وكالة حماية البيئة Environmental Protection Agency (EPA) الأمريكية قد أصدرت العام الماضي تحذيرا من انتشار خطر لبق الفراش، تقول أنه يسبب حكة مؤلمة وتفاعلات تحسس ومشاكل صحية عقلية إضافة إلى ملحقات اقتصادية سلبية لاحقة، وكررت التحذير هذا العام. وتعد مدينة نيويورك المدينة الأكثر تأثراً بغزو بق الفراش للمكاتب ودور السينما والمحلات التجارية، واضطر فرع لسلسلة محلات ملابس نساء داخلية فاخرة إلى الإقفال بسببها. وقالت مغنية أمريكية أنها لم تستطع النوم أثناء إقامتها في مكان إقامة فاخر بسبب عضة من بقة فراش جعلتها خائفة طيلة الليل وترتدي ملابس تغطي كل جسدها في حر الصيف اللاهب.
كان لابد بعد ذلك من تدخل الحكومات. وقد أصدرت حكومة ولاية نيويورك قانوناً يلزم الفنادق والمنازل المؤجرة بإبلاغ الزبائن فيما إذا كان قد حصل غزو للمكان من بق الفراش خلال السنة السابقة لأخذ احتياطاتهم، كما أمرت المدارس بإبلاغ الآباء لدى حصول أي إصابات فيها. ويفسر العلماء عدم اهتمام الجهات الرسمية أو الناس سابقاً بالأمر مع أن الخبراء كانوا على معرفة تامة بالانتشار التدريجي للحشرة، بأن هذه الحشرة غير ناقلة للمرض كالفيران والبعوض وغير قاتلة كأخماج المستشفيات أو الجراثيم المقاومة للميثيسيللين MRSA، لذا كان ينظر للأمر كموضوع تندر أكثر منه جدياً، إلى أن استفحل الأمر في السنوات القليلة الأخيرة، وأصبح بق الفراش يسلب الناس نومهم ويشعرهم بالقلق مما جعلهم يفكرون جدياً بكيفية وكلفة التخلص منها.
يمكن رؤية بق الفراش بالعين المجردة، فهي بحجم بذور التفاح، وذات لون بني محمر بعد تناول وجبة دم، بينما صغارها عديمة اللون تقريباً، ولها ستة أرجل، طولها حوالي 6 مم، ولها قرنا مشعران. وهي لا تستطيع الطيران كالبعوض، لكنها تعرف كيف تختفي في أمتعة السفر والأسرّة والأرائك، وتخرج عندما يكون هناك شخص قريب منها ليلاً لتتغذى على دمه. وتحتاج البقة إلى 5 – 10 دقائق حتى تنتفخ بالدم تعتكف بعدها مختفية 5 – 10 أيام تهضم الغذاء وتتزاوج وتضع البيض. ويعتقد الخبراء أن مشكلة بق الفراش ستصبح أخطر في المستقبل إن لم تتخذ إجراءات عاجلة للتخلص منها. ويعود هؤلاء بالذاكرة إلى وباء عالمي سابق لبق الفراش قبل الحرب العالمية الثانية. وكانت بيوت مناطق كبيرة من لندن في الثلاثينات من القرن الماضي ملآى بهذه الحشرة، ولم تبدأ هذه الموجة بالانحسار عن أوربا إلا أواخر الثلاثينات لكنها استمرت حتى اكتشف مبيد الحشرات د د ت DTT عام 1946 الذي ساعد في القضاء النهائي عليها. وتعتبر الفترة الذهبية التي كان فيها بق الفراش في انحسار حقيقي هي الفترة بين عامي 1960 و 1990.
يعتبر بعض الخبراء أن تغير المناخ وتزايد وتيرة السفر بين الدول هما السببان الرئيسان لعودة موجة بق الفراش الحالية، لكن خبراء آخرين يرفضون الإقرار بذلك ويعتبرون أن السبب الرئيس لانتشار بق الفراش الجديد هو تطور مناعتها للمبيدات الحشرية. ويستدل هؤلاء على صحة قولهم بأن مكافحة بق الفراش يتم بشكل أكثر فعالية في في أمريكا اللاتينية وآسيا حيث يسمح باستخدام المبيدات العضوية الفوسفاتية الجديدة نسبياً. ويقول عالم الحشرات البريطاني كلايف بوز Clive Boase أن من الضروري تطوير مبيدات حشرية جديدة فعالة على بق الفراش ومقبولة بيئياً إذا أردنا الانتهاء من هذا الوباء قبل استفحاله. لكنه لا ينفي الفعالية النسبية للمبيدات المتوفرة حالياً والتي تعطي مردوداً جيداً إذا تمت المعالجة لدى اكتشاف وجود بق الفراش في المكان دون تأخير.
يعتبر معظم مكافحي الحشرات أن مكافحة بق الفراش أصعب من مكافحة الصراصير والنمل، ويرون أنها أكثر انتشاراً في أماكن السكن الجماعية والأسرية، يليها الفنادق والمنازل المؤجرة ثم المساكن المدرسية والجامعية، وبدرجة ضعيفة في وسائل النقل ومنشآت غسيل الملابس ودور السينما والمسرح. وتشير إحدى الإحصائيات الأمريكية أن 99 % من الذين يوجد عندهم بق فراش منشغلون بالأمر وأن 77 % منهم شديدو الانشغال بسببها.
وينصح الخبراء الناس بالتالي كي يتجنبوا انتقال بق الفراش إلى بيوتهم أو للتخلص منها:
– لا تشتر أو تستخدم فراشاً أو أثاثاً مستعملاً ما لم يخضع لفحص جيد ومحترف بحثاً عن هذه الحشرات.
– لا تسمح للفوضى أن تعم في غرفة النوم، فهي ستكون المكان الأمثل لبق الفراش.
– إذا دخلت غرفة في منزل مستأجر أو فندق فابحث في الجدران وعلى الأثاث والأبواب وقرب مفاتيح الكهرباء والصور المعلق على الجدران عن أية بقع أو آثار دماء تدل على وجود بق الفراش. إن الأشياء السابقة هي أماكن مفضلة لهذه الكائنات الليلية.
– احمل مصباح جيب قوي لرؤية داخل الشقوق في
– إذا كنت في منطقة موبوءة فغلف حقائبك بأكياس بلاستيك كبيرة عند نزولك في فندق أو منزل مؤجر لحمايتها من انتقال بق الفراش إليها.
– افحص حقائب سفرك جيداً بعد قدومك من السفر ونظفها بالمكنسة الكهربائية، واغسل جميع محتواها من الملابس بدرجة حرارة عالية قدر الإمكان، فقد تكون انتقلت إليها دون أن تدري، وبيوض بق الفراش لا تتأثر بالغسيل بالدرجة 35° أو 40°م.
– لا تتأخر عن إبلاغ السلطات المختصة بوجود بق الفراش أينما وجدت عند اكتشافه، فعلاج المشكلة في بدايتها أسهل بكثير عنها عندما تتأخر.
– اغسل أغطية الفراش بشكل دوري وافحصها جيداً قبل الاستخدام.
– حاول أن لا تتبادل استخدام الأسرة والأغطية مع غيرك في مكان مزدحم بالسكان.
– لا تستطيع حشرات بق الفراش غالباً أن تعض من فوق الملابس، ولذا حاول أن تغطي أكبر قدر من جسمك بالملابس عندما تعرف أنها موجودة في مكان نومك.
– غير منتجات مكافحة الحشرات والطرق المستخدمة إذا تبين لك أنها غير فعالة.
– استدع مركز مكافحة الحشرات للقضاء على بق الفراش عندك إذا لزم الأمر.
ملاحظة: نشر هذا المقال على الموقع لأول مرة بتاريخ 17 نوفمبر 2011.
بوابة المعرفة
تاريخ النشر الأصلي: 17-11-2011
إعادة النشر: 16-08-2016
إعادة النشر: 26-12-2016