قصة أطفال الكهف في تايلاند 6
بعد اكتشاف وجود أطفال فريق كرة القدم المسمى “الخنازير البرية The Wild Boars” ومدربهم أحياء داخل كهف ثام لوانغ نانغ نون Tham Luang Nang Non cave، الواقع في ولاية تشانغ راي Chang Rai في أقصى شمال غرب تايلند المجاورة لحدود ميانمار، وجدت السلطات التايلاندية نفسها أمام مسؤولية أكبر من مسؤولية الكشف عن مكان وجودهم، هي مسؤولية إعادتهم أحياء خارج الكهف بأسرع وقت ممكن.
كان أول الخيارات التي ظهرت أمام السلطات عندئذ، ربما مستلهمة صعوبات الكشف عن مكان وجود الأطفال، أن تبدأ بتزويدهم بما يلزمهم من دعم غذائي وطبي، ربما حتى انتهاء موسم الأمطار الذي يمتد عدة أشهر، ليتم بعدها تفريغ الكهف من الماء والأوحال وإخراج الأطفال. ولكن كان هناك إلى جانب ذلك مخاوف حول صعوبة تعليم الأطفال السباحة من خلال الممرات الضيقة مختلفة الارتفاع المليئة بالماء سريع الحركة الذي تكاد الرؤية تنعدم فيه.
لم يمر وقت طويل على هذا الخيار حتى استبعد، لأن مستويات الأكسجين في الكهف تحت الأرض كانت تتناقص بشكل خطر وأصبحت حوالي 15% بدل 21%، مما بدا معه واضحاً أن بقاء الأطفال أحياء تحت الأرض عدة أشهر سيكون مستحيلاً.
كانت مجموعات إنقاذ، وصلت في بعض الأوقات إلى حوالي 600 متطوع، في ذلك الوقت وقبل اكتشاف مكان وجود الأطفال أيضاً، تبحث في الجبل الذي يقع الكهف فيه عن فتحات تهوية محتملة قد تصل إلى حيث يأوي الأطفال، والتحري عن شقوق في تربة الجبل قد تصل إلى تلك الفتحات. وقد وجد عدد من الشقوق وتم النزول في بعضها للاستقصاء، ولكن لم يتم العثور على أي شيء مفيد. كما كان هناك اقتراح بحفر ممر أو منفذ من الجبل باتجاه الغرفة التي يتواجد فيها الأطفال، لكن هذه الطريقة استبعدت أيضاً لما تأخذه من وقت طويل ولإمكانية عدم نجاحها.
أثناء التقدم في عملية الوصول إلى الأطفال، كانت عمليات سحب للماء والأوحال من الكهف خارجا مستمرة، في نفس الوقت الذي كانت المياه الأرضية الخارجية تحول فيه عن اتجاه مدخل الكهف. ومع الوقت بدأت مستويات الماء في أنحاء الكهف تنخفض، مما أصبح يسمح بالمرور فوق الماء أو على أرض جافة نسبياً في مناطق عدة ومسافات كبيرة. وهنا أخذ الخيار المتعلق بإخراج الأطفال بمساعدة غواصين مدربين يتبلور كطريقة وحيدة متاحة في هذه الظروف لإخراج الأطفال. وكان يساعد على الإسراع بمحاولة التنفيذ عدم نزول أمطار موسمية غزيرة تهدد عملية الإنقاذ حتى ذلك الوقت، واحتمال بدء نزولها في أي وقت.
من جهة أخرى، تبع اكتشاف الأطفال في الكهف وتزويدهم ببعض احتياجاتهم، زيارة الطبيب الاسترالي ريتشارد هاريس Dr. Richard Harris، المتخصص بالغوص والتخدير والإنقاذ والمشهور على مستوى العالم، للأطفال ومدربهم داخل الكهف حيث فحصهم جميعاً من الناحية الطبية، وأعطى للسلطات التايلاندية توصيفاً لحالتهم يسمح بمحاولة إخراجهم من الكهف. كما قام غواصون مدربون بتعليم الأطفال السباحة والغوص وارتداء قناع الغوص الذي يغطي الرأس تحسباً لأي قرار يتخذ لإخراجهم عن طريق الغوص.
كانت إحدى أكثر المشاكل التي تواجه المنقذين صعوبة، هي تأمين مناطق الكهف على طول الطريق الطويل إلى أماكن وجود الأطفال بالهواء والأكسجين، وصعوبة مرور الغواص وهو يحمل أسطوانة الأكسجين في بعض الممرات الضيقة، وخصوصاً فتحة لا يتعدى عرضها ستين سنتيمتراً، وبالتي صعوبة مرور الطفل الذي يفترض أن يرافقه غواص أو أكثر.
ومع ذلك، فقد تم اتخاذ القرار لإخراج الأطفال بمساعدة عدد كبير من الغواصين المدربين على مراحل، بعد تأمين الإعدادات الفنية اللازمة لذلك، والاستمرار الحثيث في سحب ما يمكن سحبه من الماء والأوحال خلال ذلك.
وقد رافق ذلك اتخاذ قرار جريء بنقل الأطفال على نقالات يحملها الغواصون مع اسطوانة أكسجين خاصة بالطفل، مما جعل العملية أكثر دقة وصعوبة، كما لا يمكن تنفيذها إلا على مراحل، ولكنها أكثر أماناً للطفل. ويقتضي هذا القرار إعطاء أدوية تفقد الأطفال الوعي فترة تنفيذ العملية، حتى يتاح للغواصين التركيز على كيفية تنفيذ عملهم.
اقرأ المقال التالي: قصة الإعداد الفني واللوجستي لعملية الإنقاذ
بوابة المعرفة